musicooo.com
الشرط الخامس: أن يكون المرهون به معلوم القدَر [6]. فوائد متَّصلة بالموضوع: • يجوز للراهن أن يرهَن نصيبه من عين مشتركة بينه وبين غيره؛ لأنه يجوز بيع نصيبه عند حلول الدَّين، ويوفِّي الدَّين منه. • يجوز رهن المبيع على ثمنه؛ لأن ثمنَه دَين في الذمة، والمَبيع ملك للمُشتري، فجاز رهنُه به، فإذا اشترى دارًا أو سيارةً مثلاً بثمن مؤجَّل أو حال لم يُقبَض، فله رهنه حتى يُسدِّد له الثمن. • الانتفاع بالرهن حسب الاتفاق؛ فإن اتَّفقا على تأجيره أو غيره، جاز ذلك، وإن لم يتَّفقا بقي مُعطَّلاً حتى يفكَّ الرهن، ويُمكّن الراهن من عمل ما فيه إصلاح للرهن؛ كسقْي الشجر وتلقيحه ومُداواته؛ لأن في ذلك مصلحة للراهن. • مؤنة الرهن؛ من طعامه، وعلف الدواب، وعمارته، وغير ذلك، على الراهن. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [1] السيد سابق، فقه السنة، الفتح للإعلام العربي، المجلد الثالث، ص 130. [2] تقي الدين الحصني، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار في الفقه الشافعي، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، دار البشائر، ص 304. [3] محمد ابن قدامة، المغني ويليه الشرح الكبير، دار الكتاب العربي، الجزء الرابع، ص 366.
ثانيًا: مشروعية الرهن: الرهن مشروع في الكتاب والسنَّة والإجماع: الدليل على مشروعية الرهن من الكتاب؛ قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ [البقرة: 283]. و أما الدليل على مشروعية الرهن في السنة النبوية؛ فقد قال الإمام البخاري: "حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هِشام، حدَّثنا قتادة عن أنس - رضي الله عنه - قال: ولقد رهَن النبي - صلى الله عليه وسلم - درعه بشعير ومشَيتُ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبز شعير وإهالة سنخة ولقد سمعتُه يقول: ((ما أصبَح لآلِ محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا صاع، ولا أَمسى، وإنَّهم لتسعة أبيات)) [4]. حدثنا قُتيبة، حدَّثنا جَرير عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: اشترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن يهودي طعامًا ورهنَه درعَه [5]. الإجماع: أجمعَ العُلماء على مشروعية الرهن ولم يَختلف في جوازِه ولا مَشروعيته أحد، وإن كانوا قد اختلفوا في مشروعيته في الحضَر. ثالثًا: مشروعيته في الحضَر: اختلف العلماء في مشروعية الرهن في الحضَر؛ فقال الجمهور: يُشرع في الحضَر، كما يشرع في السفر؛ لفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - له وهو مُقيم بالمدينة، وأما تقيُّده بالسفر في الآية فإنه خرَج مخرَج الغالب؛ فإن الرهن غالبًا يكون في السفر.
الركن الثالث: وهو الشيء المرهون فيه. شروط الرهن: أولاً: شروط الصيغة. يُشترَط في الصيغة شروط خمسة: 1- الشرط الأول: موافَقة القبول للإيجاب. 2- الشرط الثاني: اتِّصال القبول بالإيجاب. 3- الشرط الثالث: عدم رجوع الموجب عن إيجابه قبل قَبول الآخَر. 4- الشرط الرابع: وضوح دلالة الإيجاب والقَبول، وعلم كل عاقد بما صدَر مِن الآخر وفهمه له. 5- الشرط الخامس: ألا يكون في الصيغة تعليق لعقد الرهن أو إضافة له إلى وقت. ثانيًا: شروط المَرهون: يشترط في المرهون خمسة شروط: 1- الشرط الأول: أن يُمكن بيعه عند حلول الأجل. 2- الشرط الثاني: أن يكون المرهون عينًا، لا دَينًا ولا منفعَة. 3- الشرط الثالث: أن يكون المرهون مقبوضًا للمُرتهن. 4- الشرط الرابع: صلاحية المرهون للثبوت يد المُرتهن عليه. 5- الشرط الخامس: أن يكون المرهون منفصلاً متميِّزًا عما ليس بمرهون. ثالثًا: شروط المرهون به: وهي خمسة شروط: الشرط الأول: أن يكون المرهون به دينًا. الشرط الثاني: أن يكون الحق ثابتًا؛ أي: موجودًا حال الرهن لا موعودًا به. الشرط الثالث: أن يكون الدَّين لازمًا أو آيلاً إلى اللزوم. الشرط الرابع: أن يكون المرهون به مما يُمكن استيفاؤه من الرهن.
قال ابن حجر - رحمه الله -: في قول البُخاري في التبويب للحديث في الحضر: "فيه إشارة إلى أن التقييد بالسفر في الآية خرَج للغالب، فلا مفهوم له لدلالة الحديث على مشروعيته في الحضر، وهو قول الجمهور، واحتجُّوا له من حيث المَعنى بأن الرهن شُرِع توثقةً على الدَّين؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ﴾ [البقرة: 283]، فإنه يُشير إلى أن المراد بالرهن الاستيثاق، وإنما قيَّده بالسفر؛ لأنه مظنَّة فقد الكاتب فأخرجَه مخرَج الغالب. وخالف في ذلك مجاهد والضحاك فيما نقله الطبري عنهما فقالا: "لا يُشرَع إلا في السفر؛ حيث لا يوجد الكاتب، وبه قال داود وأهل الظاهر". وقال ابن حزم: إن شرَط المُرتهن الرهن في الحضر لم يكن له ذلك، وإن تبرَّع به الراهن جاز، وحمل حديث الباب على ذلك، والحديث حُجَّة عليهم. قال ابن المنذر: لا نعلم أحدًا خالف ذلك - "يعني الإجماع على مشروعية الرهن في " السفر والحضَر " - إلا مُجاهِدًا، قال: ليس الرهن إلا في السفَر؛ لأن الله - تعالى - شرط السفر في الرهن بقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ [البقرة: 283]، ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى مِن يهودي طعامًا، ورهنَه دِرعَه، وكانا بالمدينة، ولأنها وثيقة تَجوز في السفر فجازت في الحضر كالضمان، فأما ذِكر السفر فإنه خرَج مخرَج الغالب؛ ليكون الكاتب بعدم السفر غالبًا، ولهذا لم يَشترط عدم الكاتب، وهو مذكور معه أيضًا.