musicooo.com
سبحان ربِّنا رب العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ما أجلسَنا إلا ذاك. قال: أما إني لم أستحلفْكم تهمةً لكم. وما كان أحدٌ بمنزلتي من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أقلَّ عنه حديثًا مني. وإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرج على حلقةٍ من أصحابِه. فقال " ما أجلَسَكم؟ " قالوا: جلسْنا نذكرُ اللهَ ونحمدُه على ما هدانا للإسلامِ، ومنَّ به علينا. قال " آللهِ! ما أجلسَكم إلا ذاك؟ " قالوا: واللهِ! ماأجلسَنا إلا ذاك. قال: " أما إني لم أستحلِفْكم تهمةً لكم. ولكنه أتاني جبريلُ فأخبرَني؛ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يباهي بكم الملائكة َ » [صحيح مسلم: 2701]. نواصل ذكر هذه الفوائد للذكر في الخطبة التالية. الخطبة الثانية: ومنها: أنه سبب تنـزيل السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بحلقات الذكر، فمجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة والإثم مجالس الشياطين روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده » [صحيح مسلم: 2700]، ومنها: أنه يورثه المراقبة حتى يدخله باب الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه.
إن للذكر فوائدَ عظيمة، يضيق المقام عن إحصائها، بل يعجز العقل عن إدراكها الخطبة الأولى: إن القلب ملك الجوارح، ولذلك فهو أهم ما يجب الاعتناء به، وإن للقلوب صدأ لا يجلوه إلا ذكر الله ، ولها أقفال مفتاحها لهج اللسان بحمده، وإدامة العبد لشكره، فالذكر جنة الله في أرضه، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: "والذكر من أعطيه اتصل، ومن مُنعه عُزل، وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورًا، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورًا، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفئون به نار الحريق، ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب ، والسبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علاّم الغيوب، هو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء". عباد الله، الذكر يوصل الذاكر إلى المذكور، حتى يصبح الذاكر مذكورًا، زين الله به ألسنة الذاكرين، كما زين بالنور أبصار المبصرين، وهو باب عظيم مفتوح بين العبد وربه ما لم يغلقه العبد بغفلته، ولقد امتدح الله عباده المؤمنين الذاكرين فقال: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ.